كتبت/ ضحى مهند الحمداني
تعد الأسرة بأنها الوحدة الاجتماعية الأولى التي يحتك فيها الطفل احتكاكاً مستمراً فهي المكان الأول الذي تنمو فيه أنماط التنشئة الاجتماعية, إذ أن تركيبة الطفل ونشأته في المراحل الأولى من حياته تكون في داخل الأسرة مما يجعلها تؤدي الدور الكبير في تكوين وتركيب شخصيته أَلاَّ أَنه على الرغم من ذلك فهو لا يخرج عن كونه مختاراً فلو فرضنا على سبيل المثال أنه تأثر بجو معين وانحرف عن جادة الصواب فإن ذلك لا يعني أنه مجبر على سلوك درب الانحراف بل إن الظروف المحيطة به قد ساعدته على الوقوع بسوء الاختيار.
أن علاقة الطفل بوالديه وأخوته التي تنشأ في محيط الأسرة هي التي تدعونا إلى القول بأن للأسرة وظيفة اجتماعية كما أن الأسرة كمجتمع صغير هي عبارة عن وحدة حية، ديناميكية، تهدف لتحقيق تنشئة اجتماعية والجدير بالذكر أن هذا الهدف يتحقق بصفة مبدئية عن طريق التفاعل العائلي الذي يحدث داخل الاسرة.
وقد حث الاسلام على أهمية الأسرة وجعل لتكوينها أهدافاً ووظائف تتمثل في اقامة حدود الله, وتحقيق السكون النفسي والطمأنينة, فضلاً عن صون فطرة الطفل عن الزلل والانحراف إذ أن الأسرة هي المسؤولة عن فطرة الطفل وأن كل انحراف يصيبه فإن مصدره الأول داخل الأسرة.
وقد بدء يُلحظ في الآونة الأخيرة التردي في القيم في مجتمعنا, ويظهر ذلك بصورة واضحة من خلال سلوك أفراد المجتمع داخل الأسرة الواحدة ويرجع ذلك للعديد من العوامل يمكننا تشخيص أبرزها بالآتي:
1- الغزو التكنلوجي المدمر الذي بدأ بخلخلة منظومة القيم في مجتمعنا, فضلاً عن عملية الانفتاح والاطلاع على تجارب الآخرين مما جعل التطلعات لدى ابناء المجتمع تختلف عن السابق واخذت سقوف الطموح والاحلام بالارتفاع لمستويات اعلى بما له انعكاس سلبي على منظومة القيم.
2- النتائج التي خلفتها جائحة كورونا من مشاكل اقتصادية ألقت بظلالها على العلاقات الأسرية وعملت على خلق أجواء مشحونة بالتوتر في داخل الأسر العراقية, إذ تضرر الاقتصاد العراقي بعد انخفاض اسعار النفط العالمي لاسيما وان العراق بلد ريعي مما اثر بصورة كبيرة على حياة المواطن وعلى اسلوب معيشتة وانعكس سلباً على الاسرة فرب الاسرة الذي لا يستطيع توفير احتياجات عائلته الأساسية تجعله يشعر بالألم عند رؤية عائلته تتضور جوعاً على سبيل المثال مما يجعله يشعر بالنقص وقد يقوده ذلك الى مرحلة الانتحار.
3- ان المؤسسات التربوية والاعلامية لم تعد معاضدة للأسرة في عملية التنشئة السليمة أو المحافظة على المجتمع من الانحراف.
4- ارتفاع التعداد السكاني عن السابق اذ ارتفع الى ما يقارب عشر مليون عن التسعينات.
5- غياب الضبط الاجتماعي المتمثل في الرادع القانوني الرسمي, ويمكننا أن نلحظ ذلك في الاحصائية الرسمية التي اطلقتها دائرة العلاقات والاعلام في وزارة الداخلية العراقية إذ بينت بأنها تعاملت مع العديد من شكاوى العنف الاسري خلال النصف الأول من سنة 2020م وتتمثل هذه الاشكال في: اعتداء الزوج على الزوجة (3637) حالة, واعتداء الزوجة على الزوج (453) حالة, واعتداء ما بين الاخوة والاخوات (402) حالة, واعتداء ما بين الاباء على الابناء (183) حالة, فضلاً عن اعتداء الابناء على الآباء (717) حالة.
ويلحظ على ذلك ارتفاع حالات العنف الاسري في العراق بصورة كبيرة مقارنة بالاعوام السابقة, والجدير بالذكر أن مشروع قانون مناهضة العنف الأسري المرسل من قبل رئاسة الجمهورية الى البرلمان منذ نهاية سنة 2019م لا يزال ينتظر التصويت عليه نتيجة الصعوبات التي اكتنفت عملية التصويت المتمثلة في طبيعة المجتمع والتنوع في الاعراف والتقاليد والطابع العشائري في العراق, ويُلحظ أهمية هذا القانون إذ أنه يضع عقوبات رادعة تحمي الضحية وتعمل على معاقبة مرتكبي الجرائم الأسرية ولاسيما أنه ينظم في فصله السادس الأحكام الجزائية فقد نصت (المادة/21) بأن “يعاقب المشكو منه على خرق قرار الحماية بالعقوبات الآتية :
1- “غرامة لا تقل عن خمسمائة ألف دينار ولا تزيد عن مليون دينار, وفي حالة عدم الدفع تشتد العقوبة الى الحبس البسيط لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ستة أشهر.
2- الغرامة التي لا تقل عن ثلاثة ملايين دينار عراقي في حالة العودة, إذ كان الضحية صغيراً أو حدثاً أو كبير السن أو مرأة حامل أو من ذوي الاعاقة أو إذا ارتكبت الجريمة من الفروع على الأصول, وفي حالة عدم الدفع تشتد العقوبة الى الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن سنة واحدة”.
[٣:١٩ م، ٢٠٢١/٤/٢١] +964 772 625 8206: أما (المادة/22) فقد نصت على أن “يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن سنة واحدة لكل موظف أو مكلف بخدمة عامة عمد على اكراه الضحية بعدم تقديم الشكوى أو أهمل في تسجيلها” في حين نصت (المادة/23) بأن “للمحكم الحكم بالتعويض بناءً على طلب المتضرر أو من يمثله قانوناً”, مما يجعلنا ننصح بالإسراع في تشريع هذا القانون كونه يخدم الصالح العام ويقيد موضوعة الجرائم الأُسَرية بعد ازديادها بصورة مبالغة في الآونة الأخيرة.
عذراً التعليقات مغلقة